فصل: تفسير الآية رقم (152):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (152):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان له ولأخيه وهما معصومان من الذنوب، طوى ما يتعلق بالمغفرة وذكر متعلق الرحمة بخلاف ما يأتي في السؤال له وللسبعين من قومه فإنه عكس فيه ذلك؛ ولما صحت براءة الخليفة، وأشير إلى أنه مع ذلك فقير إلى المغفرة، التفتت النفس إلى حال المفسدين فقال مخبرًا عن ذلك: {إن الذين اتخذوا العجل} أي رغبوا رغبة تامه في أخذهم إلهًا مع المخالفة لما ركز في الفطرة الأولى ودعاهم إليه الكليم عليه السلام {سينالهم} أي بوعد لا خلف فيه {غضب} أي عقوبة فيها طرد أو إبعاد، ولعله ما أمروا به من قتل أنفسهم، واشار إلى انه فيه رفق بهم وحسن تربية لتوبة من يبقى منهم بقوله: {من ربهم} أي الذي لا محسن إليهم غيره، يلحقهم في الدنيا ويتبعهم في الآخرة {وذلة في الحياة الدنيا} أي جزاء لهم على افترائهم وكذلك من رضي فعلهم ولاسيما إن كان من أولادهم كقريظة والنضير وأهل خيبر {وكذلك} أي ومثل جزائهم {نجزي المفترين} أي المعتمدين للكذب، وهذا نص في أن كل مفتر ذليل، كما هو المشاهد- وإن أظهر الجراءة بعضهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
اعلم أن المقصود من هذه الآية شرح حال من عبد العجل.
واعلم أن المفعول الثاني من مفعولي الاتخاذ محذوف، والتقدير: اتخذوا العجل إلهًا ومعبودًا ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هذا إلهكم وإله موسى} [طه: 88] وللمفسرين في هذه الآية طريقان: الأول: أن المراد بالذين اتخذوا العجل هم الذين باشروا عبادة العجل، وهم الذين قال فيهم: {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ} وعلى هذا التقدير ففيه سؤال، وهو أن أولئك الأقوام تاب الله عليهم بسبب أنهم قتلوا أنفسهم في معرض التوبة عن ذلك الذنب، وإذا تاب الله عليهم فكيف يمكن أن يقال في حقهم أنه {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ وَذِلَّةٌ في الحياة الدنيا}.
والجواب عنه: أن ذلك الغضب إنما حصل في الدنيا لا في الآخرة، وتفسير ذلك الغضب هو أن الله تعالى أمرهم بقتل أنفسهم، والمراد بقوله: {وَذِلَّةٌ في الحياة الدنيا} هو أنهم قد ضلوا فذلوا.
فإن قالوا: السين في قوله: {سَيَنَالُهُمْ} للاستقبال، فكيف يحمل هذا على حكم الدنيا؟
قلنا: هذا الكلام حكاية عما أخبر الله تعالى به موسى عليه السلام حين أخبره بافتتان قومه واتخاذهم العجل، فأخبره في ذلك الوقت أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا، فكان هذا الكلام سابقًا على وقوعهم في القتل وفي الذلة، فصح هذا التأويل من هذا الاعتبار.
والطريق الثاني: أن المراد بالذين اتخذوا العجل أبناؤهم الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا التقدير: ففي الآية وجهان:
الوجه الأول: أن العرب تعير الأبناء بقبائح أفعال الآباء كما تفعل ذلك في المناقب.
يقولون للأبناء: فعلتم كذا وكذا، وإنما فعل ذلك من مضى من آبائهم، فكذا هاهنا وصف اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذ العجل، وإن كان آباؤهم فعلوا ذلك، ثم حكم عليهم بأنه {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ} في الآخرة {وَذِلَّةٌ في الحياة الدنيا} كما قال تعالى في صفتهم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة} [لبقرة: 61].
والوجه الثاني: أن يكون التقدير {إِنَّ الذين اتخذوا العجل} أي الذين باشروا ذلك {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ} أي سينال أولادهم، ثم حذف المضاف بدلالة الكلام عليه.
أما قوله تعالى: {وكذلك نَجْزِى المفترين} فالمعنى أن كل مفتر في دين الله فجزاؤه غضب الله والذلة في الدنيا، قال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلا ويجد فوق رأسه ذلة، ثم قرأ هذه الآية، وذلك لأن المبتدع مفتر في دين الله. اهـ.

.قال السمرقندي:

{إِنَّ الذين اتخذوا العجل} يعني اتخذوا العجل إلها {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ} يعني: يصيبهم عذاب من ربهم {وَذِلَّةٌ في الحياة الدنيا} وهو ما أمروا بقتل أنفسهم.
ويقال: هذا قول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم يعني: يصيب أولادهم ذلة في الحياة الدنيا.
وهي الجزية {وكذلك نَجْزِى المفترين} يعني: هكذا نعاقب المكذبين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِنَّ الذين اتخذوا العجل إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ} في الآخرة {وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا} قال أبو العالية: هو ما أُمروا به من قتل أنفسهم.
وقال عطيّة العوفي: أراد سينالهم أولادهم الكبير كابرًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وذُلّة في الحياة الدنيا، وهو ما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء لتوليتهم متخذي العجل ورضاهم به، وقال ابن عباس: هو الجزية.
{وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين} الكاذبين قال أبو قلابة: هي والله جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة، قال يذله الله عزّ وجلّ.
وسمعت أبا عمرو الفراتي سمعت أبا سعيد بكر بن أبي عثمان الخيري سمعت السراج سمعت سوار بن عبد الله الغزّي سمعت أبي يقول: قال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلاّ وتجد فوق رأسه ذلّة ثمّ قرأ {إِنَّ الذين اتخذوا العجل} الآية يعني المبتدعين. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {إن الذين اتخذوا العجل} الآية، مخاطبة من الله لموسى عليه السلام لقوله: {سينالهم} ووقع ذلك النيل في عهد موسى عليه السلام، والغضب والذلة هو أمرهم بقتل أنفسهم هذا هو الظاهر، وقال بعض المفسرين: الذلة الجزية، ووجه هذا القول أن الغضب والذلة بقيت في عقب هؤلاء المقصودين بها أولًا وكأن المراد سينال أعقابهم، وقال ابن جريج: الإشارة في قوله: {الذين} إلى من مات من عبدة العجل قبل التوبة بقتل النفس وإلى من فر فلم يكن حاضرًا وقت القتل.
قال القاضي أبو محمد: والغضب على هذا والذلة هو عذاب الآخرة، والغضب من الله عز وجل إن أخذ بمعنى الإرادة فهو صفة ذات، وإن أخذ بمعنى العقوبة وإحلال النقمة فهو صفة فعل، وقوله: {وكذلك نجزي المفترين} المراد أولًا أولئك الذين افتروا على الله في عبادة العجل وتكون قوة اللفظ تعم كل مفتر إلى يوم القيامة، وقد قال سفيان بن عيينة وأبو قلابة وغيرهما: كل صاحب بدعة أو فرية ذليل، واستدلوا بالآية. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وذلَّةُ في الحياة الدنيا}.
فيها قولان:
أحدهما: أنها الجزية، قاله ابن عباس.
والثاني: ما أمروا به من قتل أنفسهم، قاله الزجاج.
فعلى الأول يكون ما أُضيف إليهم من الجزية في حق أولادهم، لأن أولئك قُتلوا ولم يؤدّوا جزية.
قال عطية: وهذه الآية فيما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء لتولِّيهم متخذي العجل ورضاهم به.
قوله تعالى: {وكذلك نجزي المفترين} قال ابن عباس: كذلك أُعاقب من اتخذ إلهًا دوني.
وقال مالك بن انس: ما من مبتدع الا وهو يجد فوق رأسه ذلَّة، وقرأ هذه الاية.
وقال سفيان بن عيينة: ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلَّة تغشاه، قال: وهي في كتاب الله تعالى، قالوا: وأين هي؟ قال: أوما سمعتم قوله: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلَّة في الحياة الدنيا}.
قالوا: يا أبا محمد، هذه لأصحاب العجل خاصة، قال: كلا، اتلوا ما بعدها: {وكذلك نجزي المفترين} فهي لكل مفترٍ ومبتدع إلى يوم القيامة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ}.
الغضب من الله العقوبة.
{وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا} لأنهم أُمِروا بقتل بعضهم بعضًا.
وقيل: الذِّلة الجِزْية.
وفيه بعد؛ لأن الجزية لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذريّاتهم.
ثم قيل: هذا من تمام كلام موسى عليه السلام؛ أخبر الله عز وجل به عَنه، وتمّ الكلام.
ثم قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين}.
وكان هذا القول من موسى عليه السلام قبل أن يتوب القوم بقتلهم أنفسهم، فإنهم لمّا تابوا وعفا الله عنهم بعد أن جرى القتل العظيم كما تقدّم بيانه في البقرة أخبرهم أن من مات منهم قتيلًا فهو شهيد، ومن بَقِي حيًّا فهو مغفور له.
وقيل: كان ثَمَّ طائفة أشْرِبوا في قلوبهم العجل، أي حُبّه، فلم يتوبوا؛ فهم المعنِيّون بقوله: {إِنَّ الذين اتخذوا العجل}.
وقيل أراد من مات منهم قبل رجوع موسى من المِيقات.
وقيل: أراد أولادهم.
وهو ما جرى على قُريظة والنضِير؛ أي سينال أولادهم.
والله أعلم.
{وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين} أي مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين.
وقال مالك بن أنس رحمة الله عليه: ما من مُبْتَدِع إلا وتجد فوق رأسه ذِلّة، ثم قرأ {إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ} حتى قال: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين} أي المبتدِعين.
وقيل: إن موسى أمر بذبح العجل، فجرى منه دَمٌ وبَردَه بِالْمِبْرد وألقاه مع الدم في اليَمِّ وأمرهم بالشرب من ذلك الماء؛ فمن عبد ذلك العجلَ وأُشْرِبَه ظهر ذلك على أطراف فَمِه؛ فبذلك عرف عبدة العجل.
وقد مضى هذا في البقرة ثم أخبر الله تعالى أن الله يقبل توبة التائب من الشرك وغيره.
وقد مضى هذا في غير موضع. اهـ.